16‏/05‏/2012

طوفان أكبر من توقيف مطلوب

واصف عواضة
السفير 15 ايار 2012
ليس غريباً أن ينفجر الوضع في طرابلس بين الفينة والفينة. لعل من الغريب ومن غير الطبيعي ان تشهد طرابلس فترات الاستقرار بين الفينة والفينة. فالعاصمة الشمالية الرابضة على برميل بارود منذ سنوات طويلة، لا تحتاج الى أكثر من عود ثقاب لإشعال المواد المتفجرة المنتشرة في معظم أحيائها، بعضها أمني، وأكثرها سياسي. والسؤال غير المحيِّر في هذا المجال «ما هو الرابط بين توقيف مطلوب من قبل جهاز الأمن العام، واشتعال جبهة باب التبانة - جبل محسن، على الرغم من الشكل الذي اعتمده عناصر الأمن العام في توقيف شادي المولوي»؟ ألم يكن من الطبيعي والحالة هذه أن يكون الاحتجاج بالنار موجهاً الى مراكز الأمن العام والدولة بشكل عام، بدل معقل العلويين في الجبل مع ما يرافق ذلك من توتير مذهبي يمتد الى أبعد من ساحة طرابلس؟
تعيش طرابلس منذ عقود حالة استنفار سياسي وأمني دائم، مرده الى مجموعة من العوامل، ليس سببها فقط وجود حالة إسلامية سلفية ناشطة فيها. فالسلفيون موجودون في معظم المناطق اللبنانية، ويشكل حضورهم في بعض الأحيان حالة من الاضطراب الذي تجري معالجته دائماً بأقل الخسائر، لكن في حالة طرابلس تتداخل العوامل المحلية السياسية والاجتماعية والمذهبية بالعوامل الإقليمية المؤثرة، ما يلقي اعباءً ثقيلة على المدينة وأهلها الذين تحملوا الكثير من المعاناة والصبر المسكون بالدم والدمار.
في العام 1983 تعرضت طرابلس لضربة موجعة من القوات السورية، في ما سُمي في ذلك الحين بـ«حرب أبو عمار»، بعدما عاد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الى المدينة إثر اخراجه من بيروت خلال الاجتياح الاسرائيلي في العام 1982. وتركزت عمليات القصف والتدمير في المنطقة التي كانت الحالة الإسلامية قد نشطت فيها بزعامة الشيخ سعيد شعبان رئيس «حركة التوحيد الإسلامية». وقد فرض السوريون حينها سيطرتهم على المدينة.
كان من الطبيعي أن تنشأ في طرابلس حركة مناهضة لسوريا وما سمي بـ«النظام الأمني المشترك»، وكانت الأحياء الفقيرة في باب التبانة وغيرها خير مكان لتصعيد الحركات الاحتجاجية في غياب الدولة عن هذه الأحياء أمنياً واجتماعياً، فضلاً عن استغلال قوى داخلية وخارجية بؤر التوتر لمحاربة سوريا في لبنان. ولعبت الجغرافيا دوراً رئيسياً في التوترات المتلاحقة في طرابلس، حيث لا يفصل بين باب التبانة، ذي الغالبية السنية وجبل محسن الذي يقطن فيه العلويون، سوى شارع رئيسي هو أحد منافذ المدينة الى زغرتا ومحيطها.
بعد خروج القوات السورية من لبنان في العام 2005 وجدت الحالة الإسلامية السلفية في طرابلس مناخاً ملائماً لتأكيد حضورها في المدينة والشمال بشكل عام. وجاءت أحداث مخيم نهر البارد في العام 2007 بين الجيش اللبناني و«فتح الإسلام» لتفتح جرحاً جديداً في عاصمة الشمال لم ينغلق حتى الآن، حيث عمدت السلطة الى اعتقال العشرات من الإسلاميين وتوقيفهم منذ خمس سنوات من دون محاكمة. والسؤال المحيِّر هنا لماذا يتقاعس القضاء اللبناني حتى الآن عن محاكمة هذه الشريحة وحسم هذه القضية التي ما تزال بؤرة توتر سياسي دائمة في طرابلس والشمال. لقد مرت اربع حكومات على هذه القضية، وكل منها وعد بمعالجتها ,ومع ذلك ما تزال هذه القضية معلقة من دون أسباب جوهرية.
كان من الطبيعي أن يتأثر لبنان بأحداث سوريا المستمرة منذ اربعة عشر شهراً، خاصة منطقة الشمال وعاصمتها التي تصدرت الحركة المناهضة للنظام السوري. وأيضاً لعبت وتلعب عوامل داخلية وخارجية كثيرة في تصعيد حالة العداء والتوتر التي ما تلبث ان تنفجر أمنياً بين فترة وأخرى، فضلاً عن التوتر السياسي الدائم مع حلفاء سوريا في لبنان، مع ما يرافق ذلك من تحريض مذهبي وطائفي عبر الشاشات وصل الى حدود البكاء والتباكي والتظلم لطائفة هي الأكبر والأقوى والأبقى في العالم الإسلامي.
في ظل هذه العوامل والمعطيات، من الغياب الاجتماعي للدولة عن فقراء طرابلس، الى عوامل الاستغلال السياسي لهؤلاء الفقراء، الى نهوض الحالة السلفية في المدينة وجوارها، الى قضية الموقوفين الإسلاميين، الى التحريض المذهبي والطائفي، الى انعكاسات الوضع في سوريا وتأثيراته المباشرة على لبنان، الى العامل الجغرافي في باب التبانة وجبل محسن، الى غياب المعالجات الجذرية للأحداث المتكررة... كل ذلك يجعل من الغباء السؤال لماذا تنفجر طرابلس القاعدة على برميل بارود؟ وهل ان توقيف مطلوب فيها يستأهل كل هذا الطوفان السياسي والأمني؟ وهل أن العلاج الجذري ما يزال ممكناً بعد هذا الطوفان؟ ومن هم أصحاب المصلحة الحقيقية في هذا العلاج؟
أعان الله طرابلس وحمى أهلها وفقراءها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح