21‏/05‏/2012

إسلاميو لبنان.. وأزمة «المستقبل»

واصف عواضة
السفير 19 ايار 2012
لا يستطيع «اسلاميو لبنان»، الادعاء «حتى الآن» أنهم قوة وازنة تجاري اسلاميي «الربيع العربي» الوافدين الى السلطة على أحصنة شعبية جامحة. لكن أحدا لا يستطيع أن يحد من طموح هؤلاء الى حضور وازن في زمن التحولات السريعة في الوطن العربي الواسع.
والكلام عن اسلاميي لبنان لا يشمل «حزب الله». المقصود بهم الاحزاب والتيارات والجماعات الاسلامية والسلفية السنية التي رفعت من وتيرة تحركها على الساحة، على هدي الاحداث في سوريا، من خلال إشهار عدائها للنظام السوري ووقوفها الى جانب المعارضة قولا وفعلا.
ولا جدال مطلقا في حق هؤلاء الاسلاميين في ايجاد مكان لهم على الساحة اللبنانية المفتوحة على كل التيارات، وتأكيد حضورهم في ظل «الربيع العربي»، حيث فرض الاسلاميون وجودهم في السلطة، في مصر وتونس وليبيا والمغرب، وربما دول أخرى على الطريق. الا ان المعوّقات التي تعترض اسلاميي لبنان في هذا الاتجاه كثيرة وصعبة، قياسا الى الواقع اللبناني وتركيبته السياسية والطائفية، فضلا عن الظروف الخارجية التي تؤثر تأثيرا مباشرا على صعود اي قوة لبنانية. فالنظام السياسي في لبنان يحدد لكل طائفة دورها وحجمها ووزنها في المعادلة، وعلى هذا الاساس تتدثر الاحزاب والمجموعات السياسية في لبنان لحاف الطائفة لفرض حضورها على الساحة. وينسحب هذا المفهوم على الطائفة السنية، كما ينسحب على غيرها، باعتبارها من المكونات الاساسية للنظام اللبناني، في حين لا مكان فاعلا للاحزاب الوطنية العابرة للطوائف في هذا النظام.
في هذا الاطار، لن يجد الاسلاميون اللبنانيون المعنيون بهذا الكلام بيئة حاضنة لنشاطهم وتحركهم وطموحهم خارج ملعب الطائفة السنية، وبالتالي لن يتمكنوا من عبور الطوائف الأخرى او التأثير في رصيدها، شيعة ودروزا وعلويين ومسيحيين بمختلف مذاهبهم. وعليه، يفترض ان تحسب المرجعيات التقليدية السنيّة في لبنان حسابا لهذه القوى الناشئة التي باتت تشكل هاجسا لرصيدها في الساحة السنيّة، وفي طليــعة هــؤلاء «تيار المستقبل» الذي يتزعم الغالبية الشعبية في هذه الطائفة وفقا لأكثر من دورة انتخابية.
تشكل طرابلس والشمال بوجه عام المحطة النموذجية لهذا الواقع. ولم يكن مستغربا ذلك الارتباك الذي ساد ويسود مواقف تيار»المستقبل» خلال الاحداث التي شهدتها وتشهدها عاصمة الشمال، والتي لا تبدو انها في اتجاه معالجة تؤمن الاستقرار للمدينة. وسواء أكانت صحيحة ام باطلة، تلك الاتهامات الموجهة من قبل التيار لجهات داخلية وخارجية بالوقوف وراء توتير الاجواء لأهداف معينة تتصل بالوضع السوري، فإن ذلك لن يبدل من واقع الامور شيئا. ولا شك في ان تيار «المستقبل» قرأ في كلام الرئيس بشار الاسد الأخير، من ان الفوضى سترتد على زارعها، رسالة واضحة تطال لبنان مثلما تنال من دول أخرى. حتى أن معظم الذين تمعّنوا هذا الكلام تراءت لهم في طياته معادلة جديدة مؤداها: لن يرتاح الآخرون ما دامت سوريا «تعبانة». وهذا يعني ان الساحة الشمالية المفتوحة على الجبهة السورية ستشهد مزيدا من التوتر، بعدما باتت معبرا للسلاح والمسلحين المعارضين للنظام السوري. وهذا في حد ذاته سيفعّل من دور الاسلاميين في الشمال لمصلحة طموحهم المشروع بفرض حضورهم الوازن على الساحة اللبنانية، بما يأكل من رصيد تيار «المستقبل» الذي ستشهد ساحته مزيدا من الارباك في المرحلة المقبلة.
الوضع في طرابلس والشمال خطير وينذر بشر مستطير، ويحتاج الى معالجة شاملة على مستوى الاجماع اللبناني. ويبدو ان الرئيس نبيه بري التقط الفرصة لاعادة تحريك طاولة الحوار من أجل طرابلس والشمال. وتيار «المستقبل» الذي وضع شروطا في السابق لاستئناف الحوار، هو أحوج ما يكون اليوم الى حضن جامع ينقذ طرابلس وينقذ لبنان ويخرج التيار من أزمته... فهل يلتقط هذه الفرصة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح