03‏/10‏/2011

القلـق البطريركـي

واصف عواضة- السفير 3 ت1  2011
كان مؤسس «الكتائب» الراحل الشيخ بيار الجميل يردّد مقولة ثابتة مؤداها: «لا تقل للمسيحي لا تخف، بل أمّن له الضمانة كي لا يخاف» وكان خصوم الكتائب وحلفاؤها يسخرون دائماً من هذه المقولة التي باتت خبزاً مملاً للشيخ بيار في التصريح اليومي المنسوب اليه في اذاعة «صوت لبنان»، لكن هذه المقولة كانت واحدة من الذرائع التي دفعت «الكتائب» للجوء الى إسرائيل والتعاون معها وتسهيل أكبر حروبها في لبنان، واختراق النسيج اللبناني بصورة مكلفة ما تزال تداعياتها قائمة حتى الآن.
اليوم ثمة من ينسج مقاربة بين مقولة الشيخ بيار ومواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي القلق على مصير المسيحيين في لبنان والمنطقة، وان بصورة معاكسة لكن المفارقة ان من يقارب في هذا الأمر هو من خارج البيت الكتائبي وامتداداته في الصف المسيحي ويستدعي هذا الواقع نوعاً من المصارحة تقود الى فهم سيد بكركي ورؤيته المستقبلية للشأن المسيحي في المشرق.
لعله من المبالغة القول إن رؤية الراعي تنطلق من خوف على مستقبل النظام السوري و«حزب الله» بقدر خوفه وقلقه على المسيحيين في سوريا ولبنان والمشرق، فالبطريرك مار بشارة الراعي لا ينقلب على مواقف المطران بشارة الراعي، راعي ابرشية جبيل وتوابعها، بل هو يقرأ في كتاب التطورات التي تشهدها المنطقة منذ نهاية العام المنصرم، مستفيداً من الاحداث التي شهدها العراق منذ الغزو الاميركي لهذا البلد.
إن التعمق قليلاً في رؤية البطريرك يفضي الى تحليل منطقي على النحو الآتي:
1- ان سوريا تشهد احداثاً تاريخية مرتبطة بما يسمى «الربيع العربي»، وهي ستقود الى احد احتمالين: اما صمود النظام وخروجه قويا من هذه المعركة، او انهيار النظام وتقسيم سوريا الى دولتين متناحرتين على الأقل، واحدة سنيّة واخرى علوية. في الحالة الاولى سوف يحفظ النظام مسيحيي سوريا الذين يربو عددهم على المليونين، تماماً كما حفظهم خلال العقود الاربعة الماضية وربما طوال حكم حزب البعث الذي اسسه المسيحي ميشال عفلق، اما في الحالة الثانية فلا ضمانة لمسيحيي سوريا بين جماعتين مسلمتين متصارعتين، تماما كما حصل في العراق الذي هجره اكثر من مليون مسيحي نتيجة هذا الصراع. وقد كان النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم واضحاً وصريحاً في مقابلة تلفزيونية قبل اسبوعين، عندما رأى ان الدولة العلوية في سوريا جاهزة وقائمة في حال انهيار النظام، تقابلها دولة لها الطابع الاسلامي السني ولم يقل المطران مظلوم ان المسيحيين سيذهبون «فرق عملة» بين الدولتين، لكن هذا المصير يقرأ من عناوين الكلام المباح والواضح ان البطريرك اختار الاحتمال الاول، على الرغم من الثمن السياسي المفروض على هذا الخيار.
2- في الشأن اللبناني يبدو ان البطريرك يقرأ في الكتاب نفسه فـ«حزب الله « حليف النظام السوري، اثبت بالتجربة انه حليف مخلص ووفي للمسيحيين، خاصة ان مهادنته ومصالحته اقل كلفة بكثير من مكاسرته ومخاصمته، وان استقرار لبنان في المرحلة المقبلة متوقف على التفاهم بين طوائف لبنان كافة، وبالتحديد مع المجموعة الشيعية، وبعكس ما كان يتصور سلفه.
لقد اختار البطريرك الطريق الأقل كلفة للمسيحيين في لبنان والمشرق، في معادلة دقيقة بين الاتزان والتهور، مدعوماً كما يبدو من الكرسي الرسولي في الفاتيكان، وغامر بعلاقته مع الغرب الاوروبي والاميركي الساعي لإسقاط النظام السوري و«حزب الله»، متجاوزاً «الحالة الثورية» التي ما تزال تراود قسماً من المسيحيين في لبنان. صحيح انه موقف جريء، لكن نسبة التعقل فيه أكبر من نسبة الجرأة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح