17‏/10‏/2011

زيادة الأجور «زواج بالإكراه»

واصف عواضه
ليس مفهوما حتى الآن لماذا تصر الحكومة على مضمون قرارها زيادة الاجور، رغم معرفتها الكاملة رئيسا ووزراء، بأنه مضمون خاطئ وظالم وغير عادل، ويسبب خللا في البنية التنظيمية للهيكلية الوظيفية، في ما يتعلق بالرواتب التي تزيد عن مليون وثمانمئة الف ليرة وتقل عن المليونين ومئة ألف. ولعل أغرب ما قيل في تصحيح هذا الخلل، ما ذكره وزير المالية بأن هذا الأمر يعالج لاحقا بين العمال وأرباب العمل، في وقت ترفض الهيئات الاقتصادية الزيادة جملة وتفصيلا، حتى ليصح هنا المثل الشعبي المخجل: «يا طالب الدبس...».
الكل يعرف ان قرار الحكومة اتخذ على عجل في عتمة الليل تحت ضغط الاضراب الذي هدد به الاتحاد العمالي العام، وكان ثمة تخوف أفصح عنه الرئيس نبيه بري لاحقا، من اعمال شغب سترافق الاضراب وتضرب الاستقرار في البلد «القاعد على كف عفريت». لكن كانت ثمة فرصة لتصحيح الخلل بعد تعليق الاضراب وخلال جلسة مجلس الوزراء مساء الاربعاء الماضي في قصر بعبدا، خاصة بعدما تكشفت الامور بشكل واضح أمام الحكومة، وعوّل الجميع على الجلسة، ولكن من دون جدوى وبقيت الحكومة على موقفها.
والواضح ان قرار زيادة الاجور يشبه «الزواج بالاكراه». فالعريس متحفظ، والعروس رافضة، والاشقاء غير متحمسين، والجيران ينصحون. وحدهما والدا العروسين مصران على عقد القران لغاية في نفس يعقوب، ومن دون شرح او تفسير المبررات، رغم معرفتهما المسبقة بأن هذا الزواج لن يفضي الى حياة هانئة وسعيدة، ويشكل بالتالي سابقة كارثية على «العشيرة».
في أي حال الفرصة ما تزال سانحة للتصحيح قبل صدور المرسوم وفرضه على الجميع، وما قد يترتب على ذلك من مراجعات لدى مجلس شورى الدولة قد تفضي الى كسر القرار الحكومي. وثمة سبيل واحد الى ذلك، يتلخص في التراجع عن قرار الزيادة جملة وتفصيلا، والعودة الى المشروع المتطور الذي اعده وزير العمل شربل نحاس، ووضعه جديا على طاولة النقاش، على ان يُعطي الاتحاد العمالي العام والهيئات النقابية فرصة جديدة للحكومة لاتخاذ القرار الصائب الذي يرضي جميع الاطراف. والتراجع عن الخطأ ليس عيبا بل هو من باب الفضيلة التي تشرّف الحكومة والاتحاد العمالي معا. وليس غريبا على الرئيس نجيب ميقاتي ان يعتمد الحكمة سبيلا الى صون الحكومة والبلد معا، وهو يعرف سلفا ان الزواج بالاكراه لا يجوز شرعا.
وفي كل الاحوال، لم يكن ينقص الاتحاد العمالي الا هذا الارتباك ليثبت ان صلاحيته قد انتهت، تماما كما تنتهي صلاحية المواد الغذائية بتقادم الزمن. ولعل من باب الفضيلة الاعتراف بذلك، على الرغم من المعطيات السياسية التي تحكم مسيرته وتحمل العقلاء على طلب الغفران له. لقد انتهج الاتحاد على حد قول رئيسه قاعدة «خذ وطالب»، وهي قاعدة مشروعة في العمل النقابي، لكنه اكتشف وسيكتشف اكثر انه لم يأخذ سوى كرة نار ستحرق أصابعه، وقد تحرق البلد مستقبلا بفوضى اجتماعية ومعيشية لن ينجو منها أحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح