25‏/10‏/2011

أي لبنان في عصر الإسلام السياسي؟

واصف عواضة
السفير -25 ت1 2011
ليس في مقدور لبنان بعد الآن ان يتباهى بأنه «الواحة الديموقراطية» الوحيدة في الوطن العربي، ولا ان يباهل أحدا بفرادته وميزته التي بنى عليها أمجادا تليدة في هذا الشرق الذي يشهد تحولات تاريخية تخرجه من عصر الانظمة الاستبدادية الى النظم الديموقراطية التي ستكون بالتأكيد، ولأكثر من سبب، أقل سوءا من الديموقراطية اللبنانية العريقة.
غير ان هذه الديموقراطيات الناشئة والمحفوفة بالحذر، تلبس رداء قد يرفع من حدة الهواجس لدى بعض اللبنانيين، سواء الذين ينشدون الدولة العلمانية، او اولئك الذين يحلمون باستعادة دور يقولون انه كان قائما في الماضي، وقد اسهم في اطلاق النهضة العربية القديمة، ويريدون المساهمة في النهضة الجديدة . فهل غاب عن بال هؤلاء ان الديموقراطيات العربية الوليدة، كلها يغلب عليها طابع الاسلام السياسي وعصره الممهور ببركة الغرب العلماني الذي يقول البطريرك الماروني بشارة الراعي انه ابعد الدولة عن الدين، بدل ان يبعد الدين عن الدولة.
ها هي تونس تشهد اول انتخابات نظيفة في تاريخها، لكنها تخرج من نظام أوغل في العلمانية حتى خالف الشريعة الاسلامية في بعض مضامينها، الى نظام تتصدره «حركة النهضة» الاسلامية التي يقول رئيسها راشد الغنوشي انها ستكون منفتحة.. ولكن العبرة في التنفيذ.
وها هو رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل يعلن تحويل ليبيا الى دولة تلتزم الشريعة الاسلامية، آخذا على عاتقه في خطاب التحرير اباحة الزواج الرباعي وإلغاء الفوائد الربوية في المصارف.
وها هم «الاخوان المسلمون» في مصر يعلنون انهم لن يستأثروا بالسلطة، في اشارة الى انهم قادرون على ذلك، ولا شيء يضمن عدم فوزهم الساحق في الانتخابات المقبلة وإدارة شؤون البلاد وفق الشريعة الاسلامية التي تترك مكانا للآخرين.. ولكن بحدود.
وها هو «حزب الدعوة» في العراق يحكم البلاد بزعامة نور المالكي، مهما قيل في تنوع النظام العراقي وتعدديته. اما الانظمة التي لم تتهاو بعد فإن منتفضيها يرفعون بلا مواربة راية الاسلام، من الاردن الى سوريا واليمن وموريتانيا، فضلا عن السودان الذي يتجلبب نظامه بالشريعة، وكذلك المغرب الذي يحكمه امير المؤمنين وخليفة المسلمين. وتبقى دول الخليج كتحصيل حاصل في هذا المضمار.
في ظل هذا الزمن العربي، زمن الاسلام السياسي المنبهر بالتجربة التركية، يجد لبنان نفسه على مفترق طرق. فالمسلمون فيه، شيعة وسنة، يتأثرون دائما بمحيطهم العربي وبالتطورات التي يشهدها، ولا شيء يضمن في المستقبل عدم بروز قيادات تكسر قاعدة التعايش الراهنة القائمة على المناصفة، مهما غالت مرجعياتهم اليوم في تأكيد هذه القاعدة والتمسك بها.
اما المسيحيون اللبنانيون فمن حقهم اليوم ان يقلقوا. لكن التعبير عن هذا القلق يتفاوت بين رؤية عقلانية يطرحها البطريرك الراعي، ونظرة حالمة تريد «استعادة دور المسيحيين التاريخي في الشرق والمساهمة في اطلاق نهضة عربية».
قد يكون من المبكر استشراف المستقبل، لكن التحسب له ضرورة راهنة بالنسبة للمسيحيين اللبنانيين على وجه الخصوص، حيث ضمانتهم الأكيدة في تفاهمهم أولا مع شركائهم في الوطن، قبل القفز الى الاسهام في النهضة العربية المغلفة بألف سؤال وسؤال. والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح