13‏/12‏/2010

الطبيعة بحلوها ومرّها تحكم سيطرتها على 10452 كلم2



سعدى علوه
يبدو أن الطبيعة تشبهت بالسياسة في لبنان، وأرسلت عواصف متطرفة، لا تعرف الرمادي من الحلول والمواقف، على متن رياحٍ وصلت سرعتها إلى 125 كيلومتراً في الساعة، للمرة الأولى في تاريخ العواصف الشتائية اللبنانية.
فبعد صيف حار اجتاح خريف العام الجاري، وقضم جزءاً من شتائه، ضربت لبنان عاصفة أوروبية لم توفر جباله ومرتفعاته، ولا ساحله وداخله البقاعي، متسببة بمقتل المواطنة رولا يمق (40 عاماً، وأم لأربعة أطفال)، ووقوع العديد من الجرحى.
ووازنت الطبيعة في توزيع الخيرات على المخزون المائي في المناطق، كما على مجاري الأنهار، ووحّدت البلاد والعباد بأضرار متنوعة، لن تتمكن الجهات المعنية من إحصائها قبل أن تضع العاصفة أوزارها بشكل شبه نهائي، صباح الأربعاء المقبل، بحسب ما تتوقع مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي.
لكن الطبيعة نفسها لم تتمكن من دفع الحكومة إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء «المتخاصم» للتباحث في أرواح الناس وأرزاقهم، وفي التعويضات وتحديد المسؤوليات، تمهيداً لمعالجة الذيول السلبية الناتجة عن العاصفة، والتي طالت الجميع، وعلى رأسهم المزارعين والصيادين.
فأكد وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي لـ«السفير» أن «العاصفة لم تؤثر على حركة الملاحة في مطار بيروت باستثناء تسبب الرياح الشديدة بتحطم أربع طائرات صغيرة مخصصة للتدريب»، وتعود للنادي اللبناني للطيران.
وأوضح رئيس مطار بيروت دانيال الهيبي في بيان، أن الأضرار تمثلت في «تحطم طائرتين صغيرتين مخصصتين للتدريب»، بالإضافة إلى «إصابة طائرة ثالثة بأضرار جسيمة، وهي جميعها تابعة للنادي اللبناني للطيران، كانت مركونة في المواقف المخصصة لها على ساحة الطائرات بالقرب من المدخل الغربي للمطار».
وأكمل البيان شارحاً أن «هبوب الرياح أدى إلى اندفاع طائرة رابعة من مكان تثبيتها، واصطدامها بالطائرات الأخرى. وقد نقلت الطائرات من مكان الحادث إلى هنغارات الصيانة لاستكمال التحقيقات».
ولم تقتصر أضرار العاصفة على موانئ الصيادين في بيروت وطرابلس وعكار وجبيل والضبية وساحل الإقليم وصيدا وصور والناقورة، حاصدة حوالى مئة مركب صيد، ومعها بعض أرصفة الكورنيش في المدن الساحلية، بل طالت المرافئ الرسمية، وعلى رأسها مرفأ صيدا الذي نال الحصة الأكبر من العاصفة، مع تضرر أربع سيارات مستوردة وانقلاب تجهيزات المرفأ رأساً على عقب. وسُجّلت أضرار أقل حجماً في مرافئ الميناء في الشمال والناقورة وصور وجبيل، وفق ما أكد الوزير العريضي الذي أعاد ما حصل إلى «سرعة الرياح وارتفاع موج بحر إلى مستويات لم نشهدها من قبل». وأكد العريضي أن فرق الوزارة تفقدت الأضرار، لكن لا يمكن إحصاؤها بشكل رسمي قبل هدوء العاصفة.
واقتلعت الرياح العديد من الأشجار (43 شجرة في بيروت وحدها)، سواء المخصص منها للزينة أو تلك الحرجية والمثمرة.
وضربت العاصفة قطاع الكهرباء المقنن أصلاً، والغارق في مشاكله وعجزه، لتطيح بأعمدة الكهرباء وأسلاكها، قاطعة التيار عن العديد من المناطق، وعن أحياء كثيرة في العاصمة. وواجهت ورش «كهرباء لبنان» مصاعب جمة في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، بسبب استمرار الرياح العاصفة والأمطار الغزيرة والثلوج الكثيفة على كامل مساحة الوطن.
وعلى الرغم من الاستعدادات التي أكدت البلديات في مختلف المناطق اتخاذها، إلاّ أن قوة العاصفة فاقت التوقعات، مسببة فياضانات شتى، حيث حوصرت مئات السيارات بأصحابها في مستنقعات وبرك مستجدة عملت فرق الدفاع المدني وإطفائية بيروت والقوى الأمنية من جيش ودرك، على إنقاذ المحاصَرين وسحب الآليات وفتح الطرقات. وأغرقت المياه أرزاق الناس، سواء المياه التي طافت من البحر على المناطق الساحلية مغرقة الأحياء القريبة من البحر، أو تلك التي دخلت المنازل الواقعة قرب مجاري الأنهار أو السيول، فيما أطاحت بالعديد من المنازل الترابية في الأرياف.
وفي مقابل العائمين على طوفان الساحل والداخل، عزلت الثلوج القرى النائية في البقاع وجروده، ومعه جرود عكار والضنية وبشري والبترون، وأعالي كسروان، وبالتحديد في مناطق فقرا وفاريا وعيون السيمان وحدث بعلبك وكفرذبيان، والقرى الحدودية مع فلسطين المحتلة.
وعند الخامسة من مساء أمس، أعلنت نقطة ضهر البيدر إقفال الطريق لغاية صباح اليوم، بعدما أكدت الأرصاد الجوية أن ثلوجاً ليلية ستتساقط على ارتفاع 800 متر وما فوق، وبعد تعذر الرؤية، ووصول سماكة الثلوج إلى حوالى خمسين سنتمتراً. كما أقفلت طرقات المناطق الجردية في المحافظات الأخرى، وخصوصاً تلك التي يفوق ارتفاعها 1100 متر عن سطح البحر، حيث تراوحت كثافة الثلوج فيها ما بين 40 و70 سنتمتراً.
واقتلعت الرياح التي وصلت سرعتها إلى 125 كيلومتراً في الساعة، البيوت البلاستيكية وكعوب الزيتون ودوالي العنب، ولم توفر أحراج الصنوبر والبساتين المثمرة.
وكانت للوحات الإعلانية حصة وافرة من التحطم بدءاً من العاصمة وصولاً إلى الجبال، فمني قطاع الإعلانات بخسائر كبيرة بغض النظر عن شرعية العديد من اللوحات الموضوعة من دون ترخيص قانوني ومن دون تنظيم أو رقابة على موافقتها شروط السلامة العامة. كما انهارت أسقف بعض المطاعم على الساحل وفي الداخل، وتسببت العاصفة باندلاع بعض الحرائق في العديد من المحال والمرافق السياحية.
ووسط «الجنون» المناخي، تهافت المواطنون في المناطق لشراء وقود المازوت والحطب، فيما أعلنت بعض محطات الوقود عن نفاد الكميات المتوافرة لديها نظراً للطلب الكبير على المازوت. يذكر أن عائلات كثيرة كانت قد أجّلت التمون بالمازوت والحطب، بسبب الطقس الصيفي الذي بقي مسيطراً إلى ما قبل العاصفة بأيام.
ورغم تسجيل بعض الانهيارات هنا وهناك، أشار الوزير العريضي إلى أن أعمال التنظيف التي سبقت العاصفة ساهمت في التقليل من الفيضانات، لافتاً إلى أن «فرق الصيانة في الوزارة تعاونت مع الدفاع المدني والبلديات، لإزالة اللافتات والأشجار التي اقتلعت نتيجة قوة العاصفة، كما تعمل الفرق ليلا نهارا في الجبال لفتح الطرقات نتيجة تراكم الثلوج».
أما في بيروت فقد حولت امواج البحر التي فاق ارتفاعها ستة امتار الواجهة البحرية للعاصمة إلى ساحة فوضى، بعدما اقتلعت الرياح حوالى 43 شجرة من اماكن مختلفة في المدينة. وأطاحت الأمواج بجزء من كورنيش المنارة مع الدرابزين الألمينيوم الحديث الذي لم تمض على تركيبه فترة طويلة، كما هدمت جزءاً من الحاجز الإسمنتي الذي يفصل البحر عن الطريق العام.
وتمثل الضرر الكبير في بيروت بالخسائر الكبيرة التي مني بها صيادو ميناء الدالية ما بين الروشة والرملة البيضاء. وأفاد رئيس نقابة صيادي رأس بيروت والدالية وفيق جيزي لـ«السفير» عن تضرر حوالى 75 مركب صيد بأحجام مختلفة، و15 غرفة للصيادين مع عتادهم بالإضافة إلى ثلاثة منازل تقطنها عائلات صيادين.
وأبدى جيزي عتبه على عدم تنفيذ الحكومة مشروع بناء السنسول الذي يحمي المرفأ والذي تم تلزيمه قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري في ربيع العام 2005، ليقول ان خسائر العاصفة الحالية تساوي او تفوق كلفة بناء السنسول.
وقال جيزي ان كارثة الأمس هي الخامسة التي تصيب صيادي الدالية منذ العام 1993، ومع ذلك، لم تعمد الدولة إلى حمايتهم، مطالباً بإجراء مسح سريع للأضرار والتعويض سريعاً «لأن لقمة عيش الصياد يومية، ولا تنتظر، خصوصاً أنهم لن يتمكنوا من الخروج إلى البحر».
وفي ميناء الصيادين على المنارة، غرقت أربعة مراكب صغيرة، وفق جيزي، وتضررت زوارق أخرى رغم انتشالها من البحر، بالإضافة إلى أضرار أصابت شباك الصيادين وعتادهم.
وأكد رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب محمد قباني لـ«السفير» أن الهيئة العليا للإغاثة قد كلفت شركة «خطيب وعلمي» بالكشف على الأضرار في ميناء الدالية، مؤكداً أن معظم الواجهة البحرية لبيروت قد أصيب بأضرار متنوعة من الكورنيش إلى الصيادين إلى بعض المقاهي والمرافق السياحية البحرية. وطالب بضرورة التعويض على المتضررين.
وعلى الرغم مما شهدته العاصمة إلا أن رئيس بلديتها بلال حمد رأى أن «الوضع إجمالاً، نظراً لقوة العاصفة، أفضل من التوقعات.. وورش البلدية كانت تستدرك الأمور لدى وقوع أي حوادث في بيروت، ومنها انهيار الكورنيش ووقوع كابلات كهربائية، وكذلك برج إرسال إذاعة الشرق في كركول الدروز».
وأفادت عمليات الدفاع المدني عن إنجاز مئات المهام على مساحة لبنان، بدءاً من فك حصار عائلات كثيرة في منازلها، إلى فتح طرقات ونقل جرحى سير وسحب سيارات عالقة وشفط مياه ووحول من الطرقات، وانتهاء بفتح طرقات جبلية مقفلة بالثلوج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح