20‏/12‏/2010

«أفضل الأعداء» لبسام أبو شريف: وشهد شاهد من أهله

- واصف عواضة
السفير في 21 كانون الاول 2010
جاء بسام أبو شريف الى بيروت الاسبوع الماضي بعد طول غياب ليوقع كتابا عمره خمسة عشر عاما, كان قد وضعه مع شريك اسرائيلي هو الصحافي المعروف عوزي محنايمي، منذ العام 1995، وتُرجم كتاب «أفضل الاعداء « بنحو عشر لغات، ولا نعرف لماذا تأخرت ترجمته العربية عقدا ونصف عقد، مع أنه كتاب قيّم ويستحق القراءة المتأنية, الآن بالذات. والحق يقال انني عندما أنهيت قراءة هذا الكتاب قبل ايام, حمدت الله لأن النسخة العربية لم تصبح في متناول القراء العرب إلا الآن.
يروي بسام ابو شريف وعوزي محنايمي في «أفضل الاعداء» تجربتهما مع فلسطين، ورؤيتهما المستقبلية لما بعد العام 1995, حيث كانت «جذوة السلام» مشتعلة وواعدة، ولعل أهم ما في الكتاب الواقع في 380 صفحة من القطع الكبير، والصادر عن «دار الساقي», تلك الصفحات الثلاث الأخيرة التي يلخص فيها الكاتبان رؤيتهما للمستقبل. بدا الأول حالما الى حد الوهم, وظهر الثاني واقعيا بلا حدود, وهو ما تؤكده السنوات الخمس عشرة اللاحقة لصدور هذا الكتاب، ما دفع بسام ابو شريف الى تغيير رأيه وموقفه من عملية السلام برمتها.
ولد بسام وعوزي على طرفي نقيض. ينحدر الاول من عائلة فلسطينية ميسورة سكنت القدس لأكثر من خمسة قرون، ويقول ان جذور اسرته تعود الى الفاطميين، وهو ولد في العام 1946 في قرية «الطيبة» القريبة من القدس وانتقل مع عائلته قبيل النكبة الى مدينة اربد في الاردن حيث عمل والده في القطاع المصرفي. تخرج بسام كأبيه من الجامعة الاميركية في بيروت, وانتسب الى حركة القوميين العرب ثم الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة جورج حبش, وصار أحد قيادييها البارزين، حيث تولى الاعلام والعلاقات العامة, وشارك وديع حداد في الاشراف على خطف الطائرات، ما أكسبه صفة «الارهابي», ودفع «الموساد» الاسرائيلي الى ارسال طرد بريدي ملغوم اليه في 25 تموز عام 1972, انفجر في وجهه وشوّه محياه وأفقده عيناً وبعض اصابع اليد، لكنه نجا بأعجوبة. بعدها تبدلت افكار الرجل وصار يميل الى السلم. وكان من اوائل الذين نظّروا لما كان يعتبر من المحرمات في ذلك الزمان, وهو تقاسم فلسطين دولتين، وبات «الارهابي المتطرف» خائنا في نظر معظم الفلسطينيين وقادتهم، ما ادى الى فصله من الجبهة الشعبية وطرده من دمشق بعد العام 1982، فالتحق بياسر عرفات في تونس وأصبح مستشارا له. ولا يُخفي بسام، بل يتباهى بأنه اول من اقنع عرفات بضرورة التفاوض مع الاسرائيليين, ورتب محادثات «اوسلو» السرية، ولم يشارك فيها، ونظم علاقات منظمة التحرير مع الولايات المتحدة والغرب.
اما عوزي محنايمي فقد جاء جده «شلومو» مهاجرا من لتوانيا الى فلسطين، وعانى الكثير في تثبيت اقدامه في «أرض الميعاد». خدم والده في الجيش جنرالا في المخابرات, وكان من الطبيعي ان تستهويه العسكرية فانخرط عوزي بدوره كضابط في الجهاز, وشارك في حرب «يوم الغفران» (حرب تشرين 1973) في الجولان، وفي حرب لبنان عام 1982، وأخذت قناعاته تتبدل لما شاهده داخل فلسطين وخارجها من معاناة للشعب الفلسطيني، فترك الجيش وانخرط في عالم الاعلام، وتقاطعت في هذه المرحلة افكاره مع مواقف بسام ابو شريف فتعارفا وتصادقا، وكان اول صحافي اسرائيلي يجري مقابلة مع ياسر عرفات بواسطة العقيد جبريل الرجوب.
في حزيران عام 1995 كتب بيتر ديفيد في «الايكونوميست» عن «أفضل الاعداء» يقول: «في النصف الاول من التسعينيات تغيرت العلاقات بين العرب والاسرائيليين على نحو فاق حد التصديق. فقد تصافح رئيس وزراء اسرائيل اسحق رابين وياسر عرفات في باحة البيت الابيض الاميركي. ومع ذلك فإن القصة الواردة في هذا الكتاب ليست تسجيلا لنظريات في الدبلوماسية او لمآثر رجال سياسة، بل هي قصة يرويها عوزي وبسام بأمانة عن الحرب بين شعبيهما، وكيف تغلب متحاربان على احقادهما الشخصية والتأما في الكفاح من أجل السلام، هذا الكفاح الذي لا يزال مستمرا».
صحيح ان عوزي وبسام تغلبا على احقادهما والتأما في الكفاح من اجل السلام كما يقول بيتر ديفيد، لكن رؤيتهما اختلفت بالنسبة للمستقبل بين حالم وواقعي، وقد لخصا هذه الرؤية في ختام كتابهما المشترك.
كتب عوزي محنايمي يقول: جاء جدي الى فلسطين يحمل حلما، وقد تحقق الى حد بعيد. قاتل الصهاينة من اجل دولتهم وظفروا بها, لكن شالوم لم يأت الى فلسطين وفي باله شن حرب. كان يريد بناء بلد عادي يستطيع العيش فيه كإنسان عادي ويبني دولة بين الدول الأخرى كما عبر عنها ديفيد بن غوريون. لكننا بدلا من ذلك شيدنا لانفسنا «غيتو» جديدا. اننا نعيش وسط مئة مليون عربي ولم نقم اي صلة معهم الا عن طريق الرصاص والقنابل.
ويضيف عوزي: اضطر جدي ووالدي وأنا الى القتال. وكل ما نعرفه هو كيفية كسب الحرب. ولربما سيكون السلام اصعب بكثير من الحرب على الجيل الجديد من الاسرائيليين... فالسلام يعطي الاسرائيليين خيارا واحدا ليس الا، وهو ضرورة اندماجهم في المنطقة، وقليلون منهم الذين يريدون ذلك، فمعظم الناس في اسرائيل لا يعرفون شيئا عن العرب، واهتمامهم بالعرب قليل، وليس لديهم اصدقاء عرب. وانظارهم متجهة نحو الغرب لا الى الشرق، يتطلعون الى اوروبا والولايات المتحدة ويختلفون عن العرب دينا وثقافة وطبيعة، ويعتقدون أنهم متفوقون على العرب من جميع النواحي.
ويخلص محنايمي الى القول: يعتقد البعض ان الحليب والعسل سيتدفق في النهاية على اسرائيل. اي ان حلم جدي سيتحقق، وإن ارض الميعاد قادمة، وإن المستقبل سيمثل قصة حب وردية بين الاسرائيليين والعرب. اما انا فأعتقد شخصيا ان حظ اسرائيل في العيش فترة طويلة من عمر القرن الواحد والعشرين لن يكون اكثر من خمسين في المئة.
اما بسام ابو شريف فيقول: ان الهدف الرئيس لجميع الفلسطينيين يجب ان يكون الابتداء من حيث انتهى الآخرون, لا ان ينتهوا من حيث بدأ الآخرون. اما بالنسبة لاسرائيل فقد بنت لها جسرا في الشرق الاوسط وليس امامها من خيار الا عبور هذا الجسر. فالسلام سيتأمن. سيكون ذلك صعبا، وقد يكون دمويا في بعض الاحيان، غير ان المنطقة ستعيش بسلام.
ويخلص بسام: اما اولئك المتمسكون بالعنف والتطرف، فستذوي اهميتهم شيئا فشيئا. ان قطار السلام سائر في طريقه، وسكّته ثابتة مدعمة، ودعاة العنف ليس لهم مكان فيه الا في القاطرة الاخيرة. وسيجد هؤلاء انفسهم يتدحرجون بتؤدة نحو الخلف وباتجاه دياجير الظلام.
كان هذا الكلام قبل خمسة عشر عاما.
في 13 كانون الاول 2010، اي الاسبوع الماضي، خرج بسام ابو شريف من قصر عين التينة في بيروت بعد لقاء مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ليقول للصحافيين بالحرف: «تم البحث في قضايا مشتركة لا سيما في الآليات التي يمكن من خلالها إنقاذ مدينة القدس، باعتبار ان قضيتها ليست فلسطينية فحسب، بل هي قضية عربية وإنسانية»، لافتا الى انه «تم التوافق على ضرورة القيام بتحرك عربي تجاه الدول الاوروبية لمطالبتها ايضا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة استنادا الى قرارات الشرعية الدولية». واعتبر ابو شريف ان «المفاوضات المباشرة وغير المباشرة انما هي محاولات اسرائيلية لاضاعة الوقت».
جميل جدا ان يجري بسام ابو شريف هذه المراجعة بعد خمسة عشر عاما. فهو شاهد من أهل المفاوضات والنظريات التي يتأكد عقمها يوما بعد يوم وسنة بعد سنة. لكن الأجمل من ذلك ان يقرأ كل الفلسطينيين وكل العرب تجربة هذا الرجل وهو يطل على عامه الخامس والستين. صحيح ان بعض العرب كانوا وما زالوا لا يقرأون، او يقرأون ولا يفهمون. لكن بعضهم ايضا بات يقرأ ويفهم جيدا كما يقول الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح