01‏/12‏/2010

هاتفي.. عدوّي!

 
واصف عواضة
السفير 1 كانون اول 2010
الحديث عن الهاتف الخلوي هذه الايام ينطبق عليه قول أبي الطيب المتنبي: «ومن نكد الدنيا على الحُر أن يرى، عدواً له ما من صداقته بد». فالمعلومات المتوافرة عن القدرات التقنية الجديدة لاختراق هذا الجهاز الذي كان صفوة الاختراعات في القرن العشرين، وانتهاك الحرمات من خلاله، تحمل على الظن ان الهاتف الجوال بات من ألد أعداء حامليه ومستخدميه، وينسجم معه شعار: هاتفي عدوي!
وبعيدا عن الاختراق الاسرائيلي للاجهزة الهاتفية في لبنان، والجدل الدائر حول تسييس هذه القضية من عدمه، وربطها بالمحكمة الدولية والقرار الظني المنتظر، فإن انتهاك الخصوصية المقدسة للناس يجعل من الهاتف الخلوي نقمة عليهم بدل أن يكون نعمة للتواصل وتيسير الحياة اليومية بينهم. وبات من حق المواطنين أن ينظروا بقلق وشذر الى هذه الآلة التي لم تعد من الكماليات، والتي لم يعد من صداقتها بد.
من الآن وصاعدا سوف يحسب المواطنون حسابا دقيقا لكلامهم على الهاتف. سوف تتغلب لغة الرموز على الحوار الصريح، ولا عجب ان اخترع المتحاورون لغة خاصة بعيدة عن كشف كوامنهم. سوف يفضل الكثير من العامة التخلي عن هواتفهم في الزيارات والمجالس الحميمة. لن يتمكن أحد من الآن وصاعدا سوى مغازلة زوجته، أما صديقته فعليها أن تلجم عواطفها حتى يضنيها الهيام. سوف يعتمد أصحاب المجالس المغلقة على أنواعها نظاما جديدا،على غرار حفلات الزفاف التي تطلب عدم مشاركة الاطفال، فترافق بطاقات الدعوة لازمة «اتركوا هواتفكم في البيت». سوف يزداد استخدام الاجهزة اللاسلكية الخاصة التي يمكن تغيير موجاتها لحظة بلحظة. لن يجرؤ أحد بعد اليوم على التحدث بصراحة عبر الهواتف. سوف تتضاءل الحاجة الى غرف التنصت الرسمية وغير الرسمية، لأن المتحدثين عبر الهاتف من الآن وصاعدا لن يتكلموا بما يسعد قلوب المتنصتين.
هذا في المستقبل، أما في الماضي فليس هناك ما يخفف من قلق الكثيرين وهواجسهم. فإذا كانت هذه الاختراقات التقنية قائمة منذ سنوات طويلة، فهذا يعني أن أسرار الناس المنتهكة مكدسة بالجملة في الغرف الأمنية المغلقة، وعلينا أن ننتظر فضائح أين منها وثائق موقع «ويكليكس» التي تهتك أسرار الدول والشخصيات هذه الايام.
في الخلاصة، من المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الاتصالات شربل نحاس ورئيس لجنة الاتصالات النائب حسن فضل الله والهيئة الناظمة للاتصالات، الى الشروحات التي قدمها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، الى التوضيحات والمعلومات التي يطرحها خبراء الاتصالات عبر الشاشات... بعد كل هذه الوقائع المذهلة التي لا نعرف حتى الآن سبيلا الى التصدي لها، يصح القول في زمن التكنولوجيا العالية الجودة وفي ظل ثورة الاتصالات التي حولت العالم الى قرية صغيرة: «سلام على زمن الحمام الزاجل». والى ان تجد التقنيات الحديثة منفذا للخروج من هذا الواقع «اعذرني يا صديقي الجوال».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح