04‏/12‏/2010

حزام التعفف

واصف عواضة
شهد العام الحالي، الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، ثلاث ظواهر بالغة الأهمية تتقاطع عند فضيلة الصمت ورذيلة الكلام المباح، ويصح فيها القول: «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب». فحتى الأمس القريب كان اللبنانيون يتعاطون مع التطورات التقنية والتكنولوجية الحديثة التي تنتهك الاسرار والمعلومات والمجالس المغلقة، بنوع من التعالي وبشيء من الجهل. ويستدعي ذلك ان يتوقف الجميع امام هذا الواقع بعناية لأخذ الدروس والعبر والتأني في إطلاق الكلام على عواهنه حتى لا يقعوا في المحظور.
اولى هذه الظواهر كانت في الفضيحة الكبرى التي نجمت عن اكتشاف العشرات من الشبكات والخلايا الاسرائيلية في الجسم اللبناني الواهن، وهو ما فتح الابواب على مصراعيها امام «الموساد» لاختراق البلد ومؤسساته وقطاعاته المختلفة، التي باتت مكشوفة على كل من يريد ان يبيع ويشتري.
ثانية هذه الظواهر كانت في اختراق قطاع الاتصالات بالشكل الذي تحدث عنه الرسميون والسياسيون والخبراء، بحيث بات الهاتف الخلوي والمنزلي من ألد اعداء حامليه ومستخدميه، وصار التعامل معه بحذر لازمة لا تقبل الجدل.
وثالثة هذه الظواهر كانت في الوثائق التي يواصل نشرها موقع «ويكيليكس» الذي يكشف المستور ويربك الساسة ويحرج حياتهم ويكسر مصداقيتهم ويدفعهم الى التأني في تسجيل مواقفهم غير المعلنة على الملأ. وما كشفه هذا الموقع خلال الاسبوع المنصرم، وما هو على الطريق، خصوصاً في ما يتعلق ببعض السياسيين اللبنانيين، يشكل عاملاً إضافياً في تصعيد أزمة العلاقات بين القوى اللبنانية، وينمّي بالتالي حاجز الثقة الموجود اصلا بين هذه القوى.
والواقع ان هذه الظواهر تطرح المزيد من الشك والكثير من الأسئلة حول تعاطي الادارتين الاميركية والاسرائيلية مع الحلفاء والعملاء على السواء. صحيح ان التقنيات الحديثة لها دورها الفاعل في كشف المعلومات والاسرار والشبكات على اختلافها، لكن الناس بحاجة الى كثير من التعامي والتغابي وربما الإيمان، للاقتناع بأن كشف المستور لم يأت عن طريق التسريب المقصود لإحراج البعض والتهويل عليهم او إحراق اوراقهم المكشوفة، وتلك سمة امتازت بها بعض اجهزة المخابرات الكبرى في العالم.
في اي حال، المهم ان يستفيد بعض اللبنانيين من هذه الدروس والعبر، ويؤثروا فضيلة الصمت في مجالسهم الخاصة. فقد كان القدماء يعتمدون «حزام العفة» للحفاظ على نسائهم من الاغتصاب او الانفلات. ولعل من سخريات القدر ان نُضطرَ من الآن وصاعداً الى استخدام «حزام التعفف» للجم افواهنا عن التفلت في الكلام المباح الذي يورط اصحابه في المزالق، كما يودي بالبلد والشعب الى مزيد من المهالك. وما ينطبق علينا ينسحب ايضاً على بعض العرب وساستهم الذين يفرطون في التعبير عن مشاعرهم، ويضمرون ما لا يفعلون. فعلاً إن شر البلية ما يضحك!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح